السلام الأمريكي أولاً- تناقضات ترامب وجائزة نوبل

المؤلف: أسامة يماني08.27.2025
السلام الأمريكي أولاً- تناقضات ترامب وجائزة نوبل

يراود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حلم الفوز بجائزة نوبل للسلام، لكنه في الوقت ذاته يتبنى بحماس شعار "أمريكا أولاً". هذان الهدفان الطموحان – السلام وسيادة أمريكا – يبدوان متعارضين بشكل صارخ على أرض الواقع، كما يشهد على ذلك التاريخ الأمريكي الحافل بالحروب والتوسع. ورغم أن التاريخ يُعتبر المعلم الأمين، فإنه غالبًا ما يتعرض للتشويه من قبل المنتصر، الذي يسعى جاهداً لطمس الحقائق وتزييفها. ومع ذلك، فمهما بلغت محاولات الإخفاء والتعتيم، فإن الحقيقة الساطعة كالشمس لا بد أن تجد طريقها لتشق الغياهب وتسطع.

لقد خاض الأمريكيون عشرات المعارك والنزاعات الطاحنة ضد الهنود الحمر (السكان الأصليين لأمريكا الشمالية) على امتداد قرون مديدة. تُعرف هذه الصراعات مجتمعةً بـ "حروب الهنود"، وهي عبارة عن سلسلة متواصلة من المعارك الضارية التي نشبت بين القوى الأوروبية المستعمرة، ثم الولايات المتحدة لاحقًا من جهة، والسكان الأصليين من جهة أخرى، واستمرت هذه المواجهات الدامية من القرن السابع عشر حتى أواخر القرن التاسع عشر. يقدر المؤرخون المتخصصون عدد هذه الحروب بأكثر من ثمانين حربًا ضروسًا، تخللتها عمليات تهجير قسري مروعة ومفجعة، مثل "درب الدموع" سيئ السمعة، حيث انتُزعت الشعوب الأصلية بوحشية من أراضيها التاريخية، بالإضافة إلى المعاهدات والاتفاقيات التي تم نقضها أو تجاهلها بوقاحة واستهتار.

يضاف إلى ذلك الحروب العديدة التي شنتها أمريكا خارج حدودها بعد الاستقلال، مثل الحرب المكسيكية الأمريكية، والحرب الإسبانية الأمريكية، وحرب فيتنام المأساوية، وأفغانستان التي مزقتها الحروب، والعراق الذي عانى الويلات، والصومال المضطرب وغيرها الكثير، والتي تُعدّ بالعشرات. فقلما مرت سنة في تاريخ أمريكا إلا وكانت البلاد متورطة في حرب أو نزاع هنا أو هناك.

الرئيس ترامب يبدو جادًا في دعوته لإنهاء الحرب الأوكرانية، لكن وفقًا للخطة الأمريكية التي ترمي إلى وقف إطلاق النار دون معالجة الأسباب الجذرية للصراع. لذلك كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن المخطط المحكم الذي كانت الدول الغربية بقيادة أمريكا تسعى إلى الإيقاع به فيه، فلم تنطلِ عليه خدعة "الحرب خدعة"، وظل متمسكًا بشروطه بإصرار، فقد استخلص العبر القيمة من اتفاقية مينسك؛ تلك الاتفاقية التي تتضمن مجموعة من الإجراءات التفصيلية، بما في ذلك وقف كامل لإطلاق النار، وسحب الأسلحة الثقيلة من خطوط المواجهة، والإفراج الفوري عن أسرى الحرب، وإجراء إصلاح دستوري شامل في أوكرانيا، ومنح الحكم الذاتي لمناطق محددة من دونباس، وإعادة بسط السيطرة الكاملة على الحدود الدولية للحكومة الأوكرانية.

يثور التساؤل: هل الحلول الأمريكية المقترحة للنزاعات المستعرة في منطقة الشرق الأوسط ليست سوى مقدمة لخلق مشروع "شرق أوسط كبير" جديد؟ وهل شعار السلام الذي يرفعه ترامب، طمعًا في الحصول على جائزة نوبل المرموقة، هو مجرد ستار رقيق لإخفاء هذه النوايا الخفية؟

فهل سيُكتب للسلام أن ينتصر في نهاية المطاف، أم أن أمريكا ستواصل إعادة إنتاج الحروب تحت مسميات جديدة، وتخفي مطامعها التوسعية وراء شعارات جذابة وبراقة؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة